أ.د. ناصر العمر
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على المبعوث بالهدى والخير العميم، وبعد:
إن من أسباب تدبر القرآن والوقوف مع آياته وتأملها.. استجلاب طمأنينة القلب في خضم هذا العالم المضطرب {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، وأي ذكر أعظم من كلام الله، إن القلوب إذا فقهت مراد الله من آياته سار أصحابها إليه باطمئنان وثبات لا تزعزعه بدع المُحْدِثين ولا تأويلات الجاهلين ولافتن المضلين.
تأمل المرء للآيات كما قال ابن القيم: “يصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل، وتبعثه على الازدياد من النعم بشكر ربه الجليل، وتبصره بحدود الحلال والحرام وتوقفه عليها لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل، وتثبت قلبه عن الزيغ والميل عن الحق والتحويل، وتسهل عليه الأمور الصعاب والعقبات الشاقة غاية التسهيل، وتناديه كلما فترت عزماته وونى في سيره: تَقَدَّم الركب وفاتك الدليل، فاللحاق اللحاق والرحيل الرحيل، وتحدو به وتسير أمامه سير الدليل، وكلما خرج عليه كمين من كمائن العدو أو قاطع من قطاع الطريق نادته: الحذر! الحذر! فاعتصم بالله واستعن به وقل: حسبي الله ونعم الوكيل”.
نزه فـــؤادك عن ســوى روضاتــه ** فرياضـــه حِلٌ لكل منــزه
والفهمُ طِلِّسْمٌ لكنز علومه ** فاقصد إلى الطِلِّسْمِ تحظَ بكنزه
لا تخش من بدع لهم وحوادث ** مادمت في كَنَف الكتاب وحِرزه
من كان حارسُه الكتاب ودرعه ** لم يخش من طعن العدو ووخزه
لا تخش من شبهاتهم واحمل ** إذا ما قابلتك بنصره وبعزه
والله ما هاب امرؤٌ شبهاتهم إلا ** لضعف القلب منه وعجزه
ياويح تيس ظالع يبغي مسا ** بقة الهزبر بعدوه وبجمزه
ودخان زبل يرتقي للشمس يس ** تر عينها لما سرى في أزه
وجبــان قلبٍ أعزلٍ قَدْ رام يأ ** سر فارسًا شاكــي الســلاح بهزه
هذا بالإضافة إلى أن تدبر القرآن سبب لتسلية النفس وتثبيتها وحثها على الاقتداء بمن سبقها من أنبياء الله ورسله والصالحين من عباد الله وإمائه، قال الله تعالى: {وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ۚ وَجَاءَكَ فِي هَٰذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120]. وبهذا يعلم أن تدبر القرآن يحتاجه المسلم في كل زمان وآن، وليس هو أمر خاص بأيام معدودات في رمضان. فاللهم ارزقنا الطمأنينة وتحقيق الإيمان، وثبت أفئدتنا وأقدامنا على الإسلام.