أيمن الشعبان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وبعد:
فهذه همسات تربوية وخواطر قرآنية من هداية كلام رب البرية؛ عبارة عن فوائد وإرشادات مقتضبة، ووصايا وتوجيهات مختصرة، وبرقيات عاجلة، تنير الطريق وترسم المعالم، مستقاة من أخلاق الكبار وصفات العظماء، من الأنبياء والأصفياء، لصناعة وإيجاد قُدوات عملية ونماذج ربانية.
81- سرعة المبادرة: بتقديم العون للآخرين وخصوصا الضعفاء ومساعدتهم سيما في الأزمات وأوقات الحاجة؛ من أظهر صفات القدوة وخصائص الرمز، فعندما وصل موسى ماء مدين رأى امرأتين ضعيفتين لا تسقيان، فأخذته المروءة وسارع مبادرا نظرا لحاجتهما في يوم شديد الحر ( فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ )القصص:24.
82- أصالة الرأي: وجودة الفِكرة وقوة الفِطنة وإحكام التدبير؛ صفات ملازمة للقائد الناجح والقدوة المتميز، قال تعالى عن طالوت ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ )البقرة:247، فَأَعْلَمَهُمْ نَبِيئُهُمْ أَنَّ الصِّفَاتِ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهَا فِي سِيَاسَةِ أَمْرِ الْأُمَّةِ تَرْجِعُ إِلَى أَصَالَةِ الرَّأْيِ وَقُوَّةِ الْبَدَنِ لِأَنَّهُ بِالرَّأْيِ يَهْتَدِي لِمَصَالِحِ الْأُمَّةِ، لَا سِيَّمَا فِي وَقْتِ الْمَضَائِقِ[1].
83- احترام التخصص: ميزة مهمة وخصلة أصيلة في المربي والقائد الناجح؛ فإن بني إسرائيل لما طلبوا من نبي لهم ملكا يقودهم للقتال في سبيل الله، لم يقل لهم ذلك النبي أنا موجود بينكم فكيف تطلبون ملكا! ولم يعترض على طلبهم في إشارة لهذا المعنى العظيم، قال تعالى:( أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا )[2].
84- ذاتية التحرك: فلا ينتظر أمرا أو توجيها من غيره، في إحقاق حق أو إبطال باطل، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وبذل الخير وحملِ همَّ الدين، بل تجد القدوة مبادرا مشمّرا بما يمليه عليه إيمانه وتحمله للمسؤولية، قال سبحانه عن مؤمن آل ياسين في نصرة المرسلين ومؤازرتهم ودعوة قومه: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ)[3].
85- سُمُوُ الأمنية: ونُبلُ المقصد والغاية؛ من خصال النفوس الراقية والقلوب الطاهرة، التي تطمع في هداية الناس أجمعين ومحبة الخير لقومه، قال سبحانه عن مؤمن أصحاب القرية بعد أن قُتلَ ورأى الجنة: ( قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ )[4]، فنصح قومه حيا وميتا وحمل هم نجاتهم من العذاب وتحقيق سعادة الدارين.
86- اغتنام الفرص: واستثمار المواقف للبذل والعطاء وتحقيق الأهداف والمصالح المرجوة، بمختلف الظروف والأحوال؛ من أظهر صفات القائد، ولنتأمل كيف انتهز يوسف عليه السلام فرصة وجوده بالسجن ودعا مع معه لتوحيد الله عز وجل، قال سبحانه على لسان يوسف: ( يَاصَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ )[5].
87- منح التقدير والاهتمام لكل شخص: بحسب مكانته من صفات القائد الإيجابي، لما يترتب عليها من تحفيز ورفع لمعنويات الأتباع، وضمان ديمومة العطاء والمخرجات النافعة، قال سبحانه على لسان موسى مقدرا ومعترفا بما لهارون من مزية وخصيصة: ( وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ )[6].
88- استشراف المستقبل: والرؤية الواضحة والتخطيط المحكم؛ من الصفات القيادية والمهارات المعرفية للقائد المتميز، قال سبحانه على لسان نبي بني إسرائيل لما طلبوا منه ملكا للقتال في سبيل الله: ( قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا )[7]، وفي دعاء زكريا عليه السلام: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا )[8].
89- الفراسة والفطنة: في معرفة بواطن الأمور من ظواهرها؛ صفة ضرورية للقدوة، كما تَفَرَّس يعقوبُ عليه السلام بأبنائه محذرا يوسف عليه السلام قال له: ( يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا )[9]، وقال سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام واصفا حال الفقراء المتعفففين: ( تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ )[10]، فإن السيما هي العلامة التي لا يطلع عليها إلا ذوو الفراسة[11].
90- فقه الواقع: مع فهم الواجب لتنزيله بدقة وحكمة في تلك البيئة؛ صفة أصيلة من صفات القدوة المتميز، ففي قوله سبحانه لموسى عليه السلام: ( اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى )[12]، توصيف لواقع البيئة التي سيذهب إليها، وضرورة معرفته بحيثيات وملابسات وتفاصيل هذه المهمة، لذلك أيقين أن الأمر شاق وصعب، فاستعد لها وقال: ( قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي … الآيات ).
——————————————–
[1] التحرير والتنوير (2/491).
[2] (البقرة:246).
[3] (يس:20).
[4] (يس:26-27).
[5] (يوسف:39).
[6] (القصص:34).
[7] (البقرة:246).
[8] (مريم:5-6).
[9] (يوسف:5).
[10] (البقرة:273).
[11] تفسير سورة البقرة، لابن عثيمين (3/370).
[12] (طه:24).