أ.د. ناصر العمر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
فلعل من الحري بنا أن نتساءل لماذا لا نتدبر القرآن وهو كتاب ربنا لا لماذا نتدبر القرآن!
وإنَّ كتابَ الله أوثقُ شافعٍ *** وأغنى غناءً واهبًا مُتَفَضِّلًا
صح عند مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي أنه قال: “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرؤوا الزهراوَين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلَة»“، قال معاوية: “بلغني أن البَطَلَة: السَحَرَة”.
وفي مسلم أيضًا من حديث النواس بن سمعان الكِلابي: “سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تَقْدُمُه سورة البقرة وآل عمران»“، وضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أمثال ما نسيتهن بعدُ، قال: «كأنهما غمامتان، أو ظلتان سوداوان بينهما شرق، أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما». فلماذا لا نتدبر من كان هذا حاله مع متدبره؟ ولماذا لا نتدبر القرآن، مع إن عليه لحلاوة، وإن فيه لطلاوة بشهادة العدو قبل الصديق ؟
وما أحسن قول الشاطبي عنه:
وخيرُ جليس لا يُمَلُّ حديثه *** وتِردَاده يزداد فيه تجملًا
ولماذا لا نتدبر القرآن؟
وحيث الفتى يرتاع في ظلماته *** من القبر يلقاه سَنًا متهللًا
فقد روي الترمذي وأبو داود وابن ماجة وغيرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«سورةٌ من القرآن، ثلاثون آية، شفعت لرجل حتى غفر له، وهي: تبارك الذي بيده الملك». قال ابن حجر في الفتح: “قَوْلُهُ إِنَّ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك من الآية:1] تُجَادِلُ عَنْ صَاحِبِهَا، قِيلَ مَعْنَاهُ تُجَادِلُ عَنْهُ فِي الْقَبْرِ.
رَوَى زَادٌ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: هِيَ الْمَانِعَةُ تَمْنَعُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ إِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ يُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ، فَتَقُولُ رِجْلَاهُ: إنَّهُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي، إنَّهُ قَدْ وَعَى بِي سُورَةَ الْمُلْكِ، وَيُؤْتَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ لَا سَبِيلَ لَكُمْ عَلَى مَا قِبَلِي إنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِيَّ سُورَةِ الْمُلْكِ، قَالَ: وَهِيَ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبَةٌ سُورَةُ الْمُلْكِ مَنْ قَرَأَهَا فِي لَيْلَةٍ فَقَدْ أَكْثَرَ وَأَطْنَبَ وَقَوْلُهُ فَيَقُولُ بَطْنُهُ وَهِيَ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ بَاطِنَ ظَهْرِهِ فَيَدْخُلَ فِيهِ الصَّدْرُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الصَّدْرَ هُوَ الَّذِي حَوَى السُّورَةَ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِ الرَّأْسِ إنَّهُ قَدْ قَرَأَ فِيَّ سُورَةِ الْمُلْكِ وَإِنَّمَا قَرَأَهَا بِالْفَمِ لَكِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الرَّأْسِ”.
أفلا يجدر بمن كان ذلك وصفه، وتلك ثمرته، أن نتدبره؟