الشيخ عمرو الشرقاوي
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ليكون للعالمين نذيرًا، والصلاة والسلام على من أنزل عليه فصار له خلقًا وطريقًا، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، وبعد:
فإن مصطلح (تثوير القرآن) من المصطلحات التي أطلقها الإمام الحبر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم= عبد الله بن مسعود، وذلك فيما رواه غير واحد عن عبد الله بإسناد صحيح، قَالَ: «إِذَا أَرَدْتُمُ الْعِلْمَ؛ فَأَثِيرُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّ فِيهِ عِلْمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ». وقد وردَ بألفاظٍ متعددةٍ منها: «مَنْ أَرَادَ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فَلْيُثَوِّرِ الْقُرْآنَ»، وفي رواية: «ثَوِّرُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّ فِيهِ عِلْمَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ» [1].
وهذا الأثر اللطيف يبين لنا ما كان عليه السلف رضي الله عنهم من حال مع كتاب الله تعالى، وكيف لا وهو حبل الله المتين! وقد كانوا على علم جم بهذا القرآن العظيم، قال ابن عباس: “لو أردت أن أملي وقر بعير على الفاتحة لفعلت!”. ومصطلح (تثوير القرآن) يعبر عن ضرب من ضروب تلقي الكتاب، وتلاوته حق التلاوة. وقد اختلفت عبارات أهل العلم في بيان هذا المصطلح، وإن اتفقت معانيهم، فقال ابن عطية: “وتثوير القرآن: مناقشته ومدارسته والبحث فيه، وهو ما يعرف به” (التفسير: 1/3). ونقل القرطبي عن بعض العلماء أن تثوير القرآن: “قراءته ومفاتشة العلماء به” (التفسير: 1/446).
ونقل ابن عجيبة عن الغزالي أنه التفهُّم، وهو: “أن يستوضح كل آية ما يليق بها إذ القرآن مشتمل على ذكر صفات الله تعالى، وذكر أفعاله، وذكر أحوال أنبيائه عليهم السلام، وذكر أحوال المكذّبين، وكيف أُهلكوا، وذكر أوامره وزواجره، وذكر الجنة والنار” (البحر المديد: 5/23)، (الإحياء: 1/282).
ونقل الزركشي عن بعض العلماء أن التثوير: “لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ تَفْسِيرِ الظَّاهِرِ” (البرهان: 2/154). وبوب عليه أبو الليث السمرقندي: “باب الحث على طلب التفسير” (بحر العلوم: 1/11).
ولو أضفنا لذلك ما في كلمة الإثارة من التقليب والنظر في الوجوه، ومنه “وَأَثَارُواْ الأرض”، وهو تقليبها بالحرث والزراعة، وأن المرء لن يفقه القرآن حق الفقه حتى يرى للقرآن وجوهًا. لاجتمع عندنا من معاني المصطلح ما يصلح أن ننسجه بأن نقول: إن تثوير القرآن ضرب من ضروب التدبر لكتاب الله الكريم، وينطلق من التالي:
(1) معرفة معنى الآية:
وذلك على سبيل الإجمال، فأول ما ينبغي أن يفعله السالك أن يفهم معنى الآية على سبيل الإجمال، لكي لا يشذ فيأتي بما لا تدل الآية عليه بطريق من الطرق المعتبرة في التفسير، وهي:
1- التفسير على اللفظ.
2- التفسير على المعنى.
3- التفسير على الإشارة والقياس.
ولذا فيلزم لمريد التثوير – بعد معرفة المعنى الإجمالي، وإن أراد الارتقاء = أن يتعرف على أقوال السلف في الآية – لا بد له من ..
(2) إثارة الأسئلة على نفسه، وهي من أهم مراحل التثوير.
إن مما ينبغي على القارئ فعله أن يثير الأسئلة على نفسه ليحصل على فهم أعمق للكتاب المجيد، فإذا قرأَ القارئُ فاتحةَ الكتابِ بتدبُّرٍ يُثوِّرُ به النصَّ القرآنيَّ، فإنَّ من الممكنِ أنْ تثورَ في نفسِهِ الأسئلةَ التاليةَ:
– ما فائدَةُ افتتاحِ أول كتابِ اللهِ سبحانه وتعالى بالحمدِ المطلقِ للهِ سبحانه وتعالى في قولِهِ تعالى: {الْـحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَـمِينَ} [الفاتحة:1]؟!
– وما هي الآياتُ التي وردتْ فيها الحمدُ؟!
– وما هي مساقاتُ الحمدِ؟!
فالله سبحانه قالَ في مفتتح كتابه: {الْـحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَـمِينَ} [الفاتحة:1]، وقالَ في موضعٍ آخرَ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} [فاطر من الآية:1]، وَفِي موضعٍ ثالثٍ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام من الآية:1]. – ولماذا قدم الله ذكر الرحمة على ذكر ملكه ليوم الدين؟!
– ولم يدعو المرء بلفظ الجمع (اهدنا)؟!
– وما الصراط المستقيم، وما صفات أهله؟!
وهكذا.. فإن المقصودُ من ذلكَ أنَّ الإنسانَ حينما يبدأُ يسألُ هذه الأسئلةَ ويُسجلُهَا سيجدُ أنَّهُ خلالَ قراءَتِهِ للقرآنِ سنةً بعدَ سنةٍ يكونُ علمُه من الاستنباطاتِ والفوائدِ واللطائفِ الشيءَ الكثيرَ.. ثم عليه بعد ذلك..
(3) مفاتشة العلماء ومناقشتهم في تفسير الآيات الكريمة
وقد اهتم السلف بهذا جدًا، ومما يدل على ذلك أنهم كانوا يعقدون مجالس خاصة لسماع القرآن من الحفاظ العلماء، فإن: “المطلوب من القرآن هو فهم معانيه والعمل به فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين” كما يقول ابن تيمية. وقال: “وَهَذَا كَانَ سَمَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَكَابِرِ مَشَايِخِهَا وَأَئِمَّتِهَا كَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْمَشَايِخِكَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ والْفُضَيْل بْنِ عِيَاضٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَمَعْرُوفٍ الْكَرْخِي وَيُوسُفَ بْنِ أَسْبَاطٍ وَحُذَيْفَةَ المرعشي وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ.
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: “يَا أَبَا مُوسَى ذَكِّرْنَا رَبَّنَا” فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْمَعُونَ وَيَبْكُونَ. وَكَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اجْتَمَعُوا أَمَرُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَالْبَاقِي يَسْتَمِعُونَ. وَلِهَذَا السَّمَاعُ مِنْ الْمَوَاجِيدِ الْعَظِيمَةِ وَالْأَذْوَاقِ الْكَرِيمَةِ وَمَزِيدِ الْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ الْجَسِيمَةِ مَا لَا يَتَّسِعُ لَهُ خِطَابٌ وَلَا يَحْوِيهِ كِتَابٌ كَمَا أَنَّ فِي تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمِهِ مِنْ مَزِيدِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ مَا لَا يُحِيطُ بِهِ بَيَانٌ” (المجموع: 10/81).
ولم تكن قراءة أبي موسى إلا قراءة عالم لعلماء يتفهمون عن طريق هذا السماع كلام ربهم سبحانه، وينزلونه على أدوائهم فتحدث الأثر المطلوب. وكانوا يعقدون مجالس للتثوير، والمذاكرة، وعرض الفهوم في الآيات الكريمة، ومنه: ما ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَكَأَنَّ بَعْضَهُمْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ: “لِمَ تُدْخِلُ هَذَا مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ”، فَقَالَ عُمَرُ: “إِنَّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ”، فَدَعَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَدْخَلَهُ مَعَهُمْ، فَمَا رُئِيتُ أَنَّهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ، قَالَ: “مَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} [النصر:1]؟” فَقَالَ بَعْضُهُمْ: “أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا، وَفُتِحَ عَلَيْنَا”، وَسَكَتَ بَعْضُهُمْ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ لِي: “أَكَذَاكَ تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟” فَقُلْتُ: “لاَ”، قَالَ: “فَمَا تَقُولُ؟” قُلْتُ: “هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ لَهُ”، قَالَ: “{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} [النصر:1] وَذَلِكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:3]”، فَقَالَ عُمَرُ: “مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ” (البخاري [4970]).
وكانوا يعقدون مجالس لمذاكرة الكتاب وتدارسه، ومنه: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} [البقرة من الآية:206] إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة من الآية:207] قَالَ: “كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا صَلَّى السُّبْحَةَ وَفَرَغَ دَخَلَ مِرْبَدًا لَهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى فَتَيَانٍ قَدْ قَرَؤوا الْقُرْآنَ، مِنْهُمِ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ أَخِي عُيَيْنَةَ”، قَالَ: “فَيَأْتُونَ فَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَدَارَسُونَهُ، فَإِذَا كَانَتِ الْقَائِلَةُ انْصَرَفَ”. قَالَ: “فَمَرُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ} [البقرة من الآية:206]، {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:207]” قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: “وَهَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، لِبَعْضِ مَنْ كَانَ إِلَى جَنْبِهِ: “اقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ”.
فَسَمِعَ عُمَرُ مَا قَالَ، فَقَالَ: “وَأَيُّ شَيْءٍ قُلْتَ؟” قَالَ: “لَا شَيْءَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ”. قَالَ: “مَاذَا قُلْتَ؟ اقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ؟” قَالَ: فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: “أَرَى هَاهُنَا مَنْ إِذَا أُمِرَ بِتَقْوَى اللَّهِ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، وَأَرَى مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ؛ يَقُومُ هَذَا فَيَأْمُرُ هَذَا بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِذَا لَمْ يَقْبَلْ وَأَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، قَالَ هَذَا: وَأَنَا أَشْتَرِي نَفْسِي فَقَاتِلْهُ، فَاقْتَتَلَ الرَّجُلَانِ”. فَقَالَ عُمَرُ: “لِلَّهِ بِلَادُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ” (الطبري: 3/588).
ومن شأنهم سؤال العلماء بالكتاب أهل الرسوخ عنه، ورد كلام بعضهم لبعض للوصول للمراد بالآية الكريمة، ومنه: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، حَدَّثَهُ قَالَ: “بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحِجْرِ جَالِسٌ، أَتَانِي رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنِ {الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات من الآية:1] فَقُلْتُ لَهُ: “الْخَيْلُ حِينَ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ تَأْوِي إِلَى اللَّيْلِ، فَيَصْنَعُونَ طَعَامَهُمْ، وَيُورُونَ نَارَهُمْ”. فَانْفَتَلَ عَنِّي، فَذَهَبَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضَى اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ تَحْتَ سِقَايَةِ زَمْزَمَ، فَسَأَلَهُ عَنِ: {الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} [العاديات من الآية:1] فَقَالَ: “سَأَلْتَ عَنْهَا أَحَدًا قَبْلِي؟” قَالَ: “نَعَمْ، سَأَلْتُ عَنْهَا ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: الْخَيْلُ حِينَ تُغِيرُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ”، قَالَ: “اذْهَبْ فَادْعُهُ لِي”؛ فَلَمَّا وَقَفْتُ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ: “تُفْتِي النَّاسَ بِمَا لَا عِلْمَ لَكَ بِهِ، وَاللَّهِ لَكَانَتْ أَوَّلَ غَزْوَةٍ فِي الْإِسْلَامِ لَبَدْرٌ، وَمَا كَانَ مَعَنَا إِلَّا فَرَسَانِ: فَرَسٌ لِلزُّبَيْرِ، وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ فَكَيْفَ تَكُونُ الْعَادِيَاتِ ضَبْحًا. إِنَّمَا الْعَادِيَاتُ ضَبْحًا مِنْ عَرَفَةَ إِلَى مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى”؛ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: “فَنَزَعَتْ عَنْ قُولِي، وَرَجَعْتُ إِلَى الَّذِي قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ” (الطبري: 24/573). وعليه بعد ذلك كله أن ينعم في :
(4) مرحلة التأمل العميق، ومما يُعين في هذه المرحلة أن يعتني بعلوم السورة، وعلوم الآية، ومن العلوم المتعلقة بالسورة: 1- اسم السورة، أو أسماؤها إن كان لها أكثر من اسم.
2- مكان نزول السورة، وزمان نزولها (المكي والمدني).
3- عدد آي السورة، وعدد كلماتها وحروفها.
4- فضائلها، إن كان لها فضائل ثابتة.
5- مناسبة السورة لما قبلها، ومناسبة فاتحتها لخاتمتها، ومناسبات موضوعاتها بعضها مع بعضٍ.
6- موضوعات السورة. وأما مجمل علوم الآية فأذكر منها:
1- تفسيرها، وذلك ما مضى في القسم الأول.
2- فضلها، إن وُجِدَ. 3- اسمها، إن وُجِدَ.
4- مكان نزولها وزمانه. 5- قراءاتها، إن وُجد فيها اختلاف قراءات.
6- إعرابها.
7- أحكامها التشريعية (من الأحكام الفقهية الآداب والسلوك).
8- أحكامها العقدية.
9- ناسخها ومنسوخها (على اصطلاح السلف).
10- وقوفها. 11- أسباب نزولها.
12- إعجازها ووجوه بلاغتها. (مستفاد من مقال لـ د. مساعد الطيار). والانطلاق من هذه المعلومات إلى إدراك أعمق لهدايات القرآن، ومقاصده.
إن «مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ؛ فَقَدْ حَمَلَ أَمْرًا عَظِيمًا، وَقَدْ أُدْرِجَتِ النُّبُوَّةُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ؛ إِلَّا أَنَّهُ لَا يوحى إليه»، فينبغي له أن يستعمل الجد في تفهم هذا الكتاب، وحمل رسالاته، وتبليغ هذه الرسالات التي درست في هذه الأزمان.
ومما يعين على تثوير الأسئلة، وحسن الفهم، قراءة القرآن في سكون وهدوء، وفي الحديث: «إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ، بِالْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ» (البخاري [4232]).
إن لحزب الليل، وترتيل الكتاب في وقت اجتماع القلب لقصة أخرى، إن مما نعانيه من هذه المادية الطاغية قلب حقائق الكون، إن الليل ليل، والنهار نهار، فلتخل أيها السالك بكتاب ربك في ظلمة الليل، ولتقرأ ما تحفظه، ولتُثوّر القرآن، لتكن من الأمة القائمة التي تتلو كتاب ربها آناء الليل، فتسجد لمن هذا الكلام كلامه، فتقترب! ومما يعين على التثوير استعمال الأدب مع الكتاب، إن القرآن كتاب عزيز كريم مجيد، فلا بد من الإقبال بتأدب على هذا الكتاب، وآداب القارئ مبثوثة في مصنفات فلتراجع (من أمثلها: آداب حملة القرآن للآجري، وتبيان النووي).
ومما يعين على التثوير الاهتمام بالتحزيب، فقد كان للقراء تحزيب للقراءة مأخوذ من السنة، وهو المعروف عندهم بـ (فمي بشوق):
1- فالفاء= الفاتحة. ويكون السبع الأول من سورة الفاتحة إلى نهاية سورة النساء.
2- والميم= المائدة. ويكون السبع الثاني من سورة المائدة إلى نهاية سورة التوبة.
3- والياء= يونس. ويكون السبع الثالث من سورة يونس إلى نهاية سورة النحل.
4- والباء= بنو إسرائيل. ويكون السبع الرابع من سورة الإسراء (بنو إسرائيل) إلى نهاية سورة الفرقان.
5- والشين= الشعراء. ويكون السبع الخامس من سورة الشعراء إلى نهاية سورة يس.
6- والواو= والصافات. ويكون السبع السادس من سورة الصافات إلى نهاية سورة الحجرات.
7- والقاف= ويكون السبع السابع من سورة ق إلى نهاية سورة الناس خاتمة القرآن. وهذه جُعلت لمن يختم في أسبوع، ولا بأس أن يجعل الإنسان لنفسه ختمة للتدبر، وقد استمرت عند بعض السلف مدة أربعين سنة! والطرق في الوصول لتلقي القرآن، وتدبره، وما يعين عليه، وموانع ذلك كثيرة جدًا، فليكتف السالك بكتاب أو كتابين، ثم يعالج هو بنفسه هذا النعيم في الحياة مع هذا الكتاب.
إن من أعظم ما تعانيه قطاعات من المنتسبين للعلم ضعف الاستدلال القرآني في خطاباتهم، بل قد يكون الاستدلال بكلام الغرب والشرق أقرب إليهم من الاستدلال بكلام الله تعالى. لا شك أن “من المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من العلم والإيمان ما يتفاضل الناس فيه تفاضلًا لا ينضبط لنا”.
وأن “القرآن الذي يقرأه الناس بالليل والنهار يُفَاضلون في فهمه تفاضلًا عظيمًا”، ولكن “القرآن مَوْرِد يَرِده الخلق كلهم، وكلٌّ ينال منه على مقدار ما قسم الله له” (درء التعارض: 7/724).
وأختم هذه المقال بذكر الحديث عن رجل بلغ من علمه بالقرآن أنه ظل يفسر سورة نوح سنة!، ومع ذلك يقول في آخر حياته، وهو في السجن بعد أن انفرد مع القرآن: “قد فتح الله عليَّ في هذا الحصن في هذه المرة من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء، كَانَ كثيرٌ من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن”، ألا رحم الله أبا العباس بن تيمية. والحمد لله رب العالمين.
[1] انظر تخريجه موسعًا في علوم القرآن عند الإمام الشاطبي، باعتناء أحمد سالم: (188)