محمود الدوسري
الحمد لله ..
قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17]، إنها دعوة من الله تعالى لعباده بتدبر القرآن الكريم، ومن أجل هذه الدعوة إلى تدبر القرآن الكريم، فقد يسر الله تعالى سبل التدبر والانتفاع به، ومن أهمِّ سبل تدبُّر القرآن العظيم:
1 ـ تحسين التِّلاوة:
أَمَرَ الله تعالى بترتيل القرآن في قوله: ﴿وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً﴾ [المزمل: 4]. وحثَّ رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم على التَّغنِّي بالقراءة وتحسينها، في قوله: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرآنِ» رواه البخاري، وهذا الترتيل للقرآن والتغني به يُعين تدبره وتفهمه.
قال ابن كثير رحمه الله: «المطلوب شرعاً، إنَّما هو التَّحسين بالصَّوت، الباعث على تدبُّر القرآن وتفهُّمه، والخشوع والخضوع، والانقياد للطَّاعة». فضائل القرآن، (ص 195).
و«التَّرتيل أفضل من الهذِّ؛ إذْ لا يصحُّ التَّدبُّر مع الهذِّ». تفسير القرطبي، (15 /192). والإسراع في القراءة يدلُّ على عدم الوقوف على المعاني؛ فظهر أنَّ المقصود من التَّرتيل إنَّما هو حضور القلب، وتفهم المقروء.
إذاً التَّرتيل مستحبٌ للتَّدبُّرِ والتفهم، وهو أقرب إلى التَّوقير والاحترام، وأشدُّ تأثيراً في القلب. انظر: التبيان في آداب حملة القرآن، للنووي (ص 46).
والسَّبب في كراهة جمهور أهل العلم القراءةَ بالألحان: «لخروجها عمَّا جاء القرآن له من الخشوع والتَّفهُّم». صحيح مسلم بشرح النووي، (6/80).
والله تعالى تعبَّد الناسَ بتدبُّر القرآن، كما تعبَّدَهم بالتِّلاوة، قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الألْبَابِ﴾ [ص: 29].
فظهر أن المقصود الأعظم من إنزال القرآن، هو التَّدبُّر والتَّفكر في آياته، والعمل به؛ لا مجرَّد التِّلاوة مع الإعراض عنه. انظر: مفتاح دار السعادة، (ص 215).
ومن الأمور المعينة على تدبر القرآن:
2- قراءة الليل :
فصلاة الليل والتَّأمُّل في آيات القرآن ومواعظه وعبره، صلاةُ اللَّيل والقراءة فيه؛ يعين على فهمه، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾ [المزمل: 6].
قال ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: ﴿وَأَقْوَمُ قِيلاً﴾: «هُوَ أَجْدَرُ أَنْ يَفْقَهَ في القُرآنِ» حسن – رواه أبو داود، (2 /32).
«والمعنى: أنَّ صلاة اللَّيل أوفقُ بالمصلِّي بين اللِّسان والقلب، أي بين النُّطق بالألفاظ، وتفهُّم معانيها؛ للهدوء الذي يحصل في اللَّيل، وانقطاع الشَّواغل… وأعون على المزيد من التَّدبُّر». تفسير ابن عاشور (29/ 245-246).
أيها الإخوة الكرام.. ومن أجل ذلك كان جبريل عليه السلام يدارس النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم القرآن كلَّ ليلة من رمضان، قال ابن حجر رحمه الله – عن هذه المدارسة المباركة: «المقصود من التِّلاوة الحضور والفهم؛ لأنَّ اللَّيل مظنَّةُ ذلك، لما في النَّهار من الشَّواغل والعوارض الدُّنيوية والدِّينية». فتح الباري شرح صحيح البخاري، (9 /45).
ومما يعين على تدبر القرآن وتفهمه:
3 ـ الإنصات عند سماعه:
أمَرَ الله تعالى عبادَه المؤمنين بالاستماع والإنصات عند قراءة القرآن؛ كي ينتفعوا به، ويتدبَّروا ما فيه من الحِكَم والمصالح، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: 204].
والمعنى – كما قال الطَّبري رحمه الله: «أصْغُوا سمعَكم؛ لتتفهَّموا آياته، وتعتبروا بمواعظه، وأنصتوا إليه؛ لتعقلوه، وتتدبَّروه…؛ ليرحَمَكم ربُّكم باتِّعاظكم بمواعظه، واعتباركم بِعِبَرِه». تفسير الطبري، (6 /201).
إذاً الملازم للاستماع والإنصات سينال «خيراً كثيراً، وعلماً غزيراً، وإيماناً مستمرّاً متجدِّداً، وهدىً متزايداً، وبصيرة في دينه». تفسير السعدي، (1 /314).
ومما يعين على تدبر القرآن:
4- حسن الابتداء والوقف :
هناك آيات لها تعلُّق بما قبلها أو بعدها، وكثير من القرَّاء لا يُراعون حسن الابتداء أو الوقف، ولا يتفكَّرون في ارتباط الكلام بعضه ببعض، ولا يتأمَّلون معاني الآيات، بل جلُّ عملهم هو التَّقيُّد بالأعشار والأحزاب والأجزاء، ممَّا يُفَوِّتُ فَهْمَ كثير من الآيات على وجهها الصَّحيح.
ومن أمثلة الابتداء والوقف الممنوع في “الأجزاء”:
قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ﴾ [النساء: 24]؛ وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي﴾ [يوسف: 53]؛ وقوله تعالى: ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ [العنكبوت: 24]؛ وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الأحزاب:31]؛ وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِنْ السَّمَاءِ﴾ [يس: 28].
ومن أمثلة الابتداء والوقف الممنوع في “الأحزاب”: قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: 203]؛ وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ﴾ [آل عمران: 15].
قال النَّووي رحمه الله: «فكلُّ هذا وشبهه، ينبغي ألاَّ يُبدأ به ولا يُوقف عليه؛ فإنَّه متعلَّق بما قبله، ولا يغترنَّ بكثرة الفاعلين له من القرَّاء الذين لا يُراعون هذه الآداب، ولا يتفكَّرون في هذه المعاني.
ولهذا المعنى قالت العلماء: قراءة سورة قصيرة بكمالها أفضل من قراءة بعض سورة طويلة بقدر القصيرة، فإنَّه قد يخفى الارتباط على بعض النَّاس في بعض الأحوال». التبيان في آداب حملة القرآن، (ص 151-152). وانظر: تدبر القرآن، سليمان بن عمر السنيدي (ص 31-37).
ومما يعين على التدبر:
5 ـ فَهْم المعاني:
الجهل بمعاني القرآن يصرف عن تدبُّره وتلذُّذ القلب بقراءته ، وفي ذلك يقول الطَّبري رحمه الله: «إنِّي لأعجب ممَّنْ قرأ القرآن ولم يعلم تأويله، كيف يلتذُّ بقراءته ؟!». معجم الأدباء، (5 /256).
وقد تعجَّب القرطبيُّ رحمه الله أيضاً – ممَّنْ قَصَد التَّدبُّر والعملَ بالقرآن مع جهله بمعناه، قائلاً: «وينبغي له أن يتعلَّم أحكامَ القرآن، فيفهم عن الله مرادَه، وما فرض عليه، فينتفع بما يقرأ، ويعمل بما يتلو، فكيف يعمل بما لا يفهم معناه ؟! وما أقبحَ أنْ يُسْأل عن فِقْهِ ما يتلوه ولا يدريه، فما مَثَلُ مَنْ هذا حالُه إلاَّ كمَثَل الحمار يحمل أسفاراً». تفسير القرطبي، (1 /21).
عباد الله.. إن الله تعالى يَسَّرَ للناس معاني القرآن كما يَسَرَّ لهم ألفاظه؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ [القمر: 17].
بل إن تعلُّم معاني القرآن أولى من تعلُّم حروفه ، وفي هذا الشَّأن يقول ابن تيميَّة رحمه الله: «دخل في معنى قوله: “خَيْرُكْمْ مَنْ تَعَلَّمَ القُرآنَ وَعَلَّمَهُ“ رواه البخاري. تعليمُ حروفِه ومعانيه جميعاً؛ بل تعلُّم معانيه هو المقصود الأوَّل بتعليم حروفه، وذلك هو الذي يزيد الإيمان كما قال جُندب بن عبد الله، وعبد الله ابن عمر وغيرهما: تعلَّمنا الإيمان، ثمَّ تعلَّمنا القرآن، فازددنا به إيماناً». مجموع الفتاوى، (13 /403).
والفرق بين معرفة الألفاظ والمعاني، كالفرق بين اللَّيل والنَّهار، وفي ذلك يقول إياس بن معاوية رحمه الله: «مَثَلُ الذين يقرؤون القرآن ولا يعرفون التَّفسير: كمَثَل قومٍ جاءهم كتاب من مَلِكِهم ليلاً، وليس عندهم مصباح، فتداخلتهم روعةٌ لا يدرون ما في الكتاب، ومَثَلُ الذي يعرف التَّفسير: كمَثَل رجلٍ جاءهم بمصباح، فقرؤوا ما في الكتاب». تفسير ابن عطية، (1 /40)؛ تفسير القرطبي، (1 /26).
وقد أحسن القائل:
إنَّ العلومَ وإنْ جَلَّتْ مَحَاسِنُها فَتَاجُها مَا بِهِ الإيمانُ قَدْ وَجَباَ هُوَ الكِتَابُ العَزِيزُ، اللهُ يَحْفَظُهُ وبعدَ ذَلِكَ عِلْمٌ فَرَّجَ الكُرَبَا واتْلُ بِفَهْمٍ كتابَ اللهِ، فِيْهِ أَتَتْ كُلُّ العُلومِ، تَدَبَّرْهُ تَرَ العَجَبَا |
انظر: تفسير القرطبي (1 /41).
ومما يعين على التدبر:
6 ـ الوقوف عند المعاني:
والمقصود بذلك: أن يقف القارئ عند المعنى فلا يتجاوزه إلى غيره، متأمِّلاً له، ومتفكِّراً فيه.
ومن أبلغ الشَّواهد وأوضحها: ما رواه حذيفة رضي الله عنه ـ حيث قال: «صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ البَقَرَةَ… ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا. يَقْرَأُ مُتَرَسِّلاً، وَإِذَا مَرَّ بَآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بَتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ. ثُمَّ رَكَعَ…» رواه مسلم. وهذا من صور الوقوف عند المعاني.
وصِفةُ الوقوف عند المعاني: «أنْ يشغل قلبَه بالتَّفكير في معنى ما يلفظ به، فيعرف معنى كلِّ آية، ويتأمَّل الأوامر والنَّواهي، ويعتقد قبول ذلك؛ فإنْ كان ممَّا قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر، وإذا مرَّ بآية رحمةٍ استبشر وسأل، أو عذاب أشفق وتعوَّذ، أو تنزيه نزَّه وعظَّم، أو دعاء تضرَّع وطلب». الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (1/283).
الخطبة الثانية
الحمد لله …
أيها الأحبة.. ومما يعين على التدبر:
7 – ترديد الآية المؤثِّرة في القلب:
ترديد الآيات من أبرز صور الوقوف عند المعاني، ولنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أسوة حسنة؛ فقد «قَامَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم بِآيةٍ حَتَّى أَصْبَحَ يُردِّدُها، وَالآية: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [المائدة: 118]» حسن – رواه ابن خزيمة، النسائي.
قال ابن القيِّم رحمه الله: «فلو عَلِمَ النَّاس ما في قراءة القرآن بالتَّدبُّر، لاشتغلوا بها عن كلِّ ما سواه، فإذا قرأه بتفكُّر حتَّى إذا مرَّ بآيةٍ ـ وهو محتاج إليها في شفاء قلبه ـ كرَّرها ولو مائة مرَّة، ولو ليلة، فقراءة آيةٍ بتفكُّر وتفهُّم، خير من قراءة ختمةٍ بغير تدبُّر وتفهُّم، وأنفعُ للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان، وذوقِ حلاوة القرآن». مفتاح دار السعادة، (1 /187).
«الآيةُ مِثْلُ التَّمرة، كلَّما مضغتَها استخرجتَ حلاوتها» البرهان في علوم القرآن، للزركشي (1 /471).
♦ وعن عبَّاد بن حمزة رحمه الله قال: «دخلتُ على أسماءَ رضي الله عنها وهي تقرأ: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور: 27]، فَوَقَفَتْ عليها، فجعَلَتْ تستعيذُ وتدعو، قال عبَّاد: فذهبتُ إلى السُّوق فقضيتُ حاجتي، ثمَّ رجعتُ، وهي فيها بَعْدُ، تستعيذُ وتدعو». رواه ابن أبي شيبة في (مصنفه)، (2 /25)، (رقم 6037). وانظر: مختصر قيام اللَّيل، (ص 149)؛ التبيان في آداب حملة القرآن (ص 111).
♦ وعن رجلٍ – من أصحاب الحسن البصريِّ رحمه الله قال: «بينا أنا ذات ليلةٍ عند الحَسَنِ فقام من اللَّيل يصلِّي، فلم يَزَلْ يردِّدُ هذه الآيةَ، حتَّى أسْحَرَ: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: 34]؛ فلمَّا أصبح، قلنا: يا أبا سعيد، لَمْ تكنْ تُجاوِزُ هذه الآيةَ سائر اللَّيلة، قال: إنَّ فيها مُعْتَبَراً، ما ترفَعُ طَرْفاً ولا تَرُدُّ، إلاَّ وقَعَ على نِعْمَةٍ، وما لا نعلمُ من نِعَمِ اللهِ أكثر». رواه ابن أبي الدُّنيا في (التَّهجُّد وقيام اللَّيل)، (1 /159)، (رقم 53). وانظر: مختصر قيام اللَّيل، (ص 151).
قال النَّووي رحمه الله: «وقد بات جماعة من السَّلف، يتلو الواحد منهم الآيةَ الواحدة، ليلةً كاملةً أو معظَمَها، يتدبَّرها عند القراءة». الأذكار، (ص 87). وانظر: المجموع (2 /187)؛ التبيان في آداب حملة القرآن (ص 108).
وقال ابن القيِّم رحمه الله: «وهذه كانت عادة السَّلف، يردِّد أحدُهم الآيةَ إلى الصَّباح». مفتاح دار السعادة (ص 187).
ومما يعين على التدبر:
8 ـ معرفة أساليب القرآن:
مَنْ لم يعرفْ أساليب القرآن، سيجد نفسَه غريباً عن آيات القرآن، وتراكيب جُمَله، وسيعاني لفهمها ما يعاني، ومعرفةُ هذه الأساليب ممَّا يعين على تدبُّر القرآن، وهي كثيرة ومتنوِّعة، من أبرزها:
♦ خَتْم الآيات بأسماء الله الحسنى؛ ليدلَّ على أنَّ الحُكْم المذكور له تعلُّق بذلك الاسم الكريم. انظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن، للسعدي (ص 51).
♦ ومن أساليب القرآن: احتواؤه على أحسن طرق التَّعليم ، وإيصال المعاني إلى القلوب بأيسر طريق وأوضحِه، ومن أبرز أنواع تعليمه العالي: ضَرْب الأمثال، فتُوَضَّح المعاني النَّافعة، وتُمَثَّل الأمور المحسوسة؛ كأنَّها تُرى رأي العين، وهذا من عناية الله تعالى ولطفه بعباده. انظر: القواعد الحسان لتفسير القرآن، (ص 65).
♦ ومن أساليب القرآن: الوصف الحي بالصُّورة المحسوسة، فإذا الحوادث والقصص والمناظر شاخصة حاضرة، فإذا انضم إليها الحوار استوت للقارئ عناصر التَّأثير فينسى أنَّ هذا كلامٌ يتلى، أو مَثَل يُضْرب، فيتفاعل مع الحدث، لا مع حكاية الحدث، وهذه سمة القرآن، وهي معجزة من معجزاته. انظر: التصوير الفني في القرآن، لسيد قطب (ص 36،241).
ومن أساليب القرآن في الحث:
1 – التَّذكير بالآمر وعظمته.
2 – التَّشويق للأجر وكثرتِه.
3 – التَّذكير بمنزلة المأمور وحاجته إلى ربِّه.
4 – التَّهييج، قال ابن كثير رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ [غافر: 55]: «هذا تهييج للأمَّة على الاستغفار». تفسير ابن كثير، (4 /85).
5 – الاعتبار بحياة الأنبياء وأعيان الصَّالحين.
♦ ومن أساليب القرآن في النَّهي: التَّبغيض للفعل، أو التَّهكُّم بأصحابه أو السُّخرية منهم، أو ذِكْرُ عاقبة مَنْ فَعَلَه في الدُّنيا، أو وصْفُ خسارته في الآخرة، أو الاعتبار بالأمم الظَّالمة وأعيان المعاندين. انظر: البرهان في علوم القرآن (2 /397) وما بعدها.
قال القرطبيُّ رحمه الله ـ عند تفسير قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾ [الجمعة: 5]. «وفي هذا تنبيهٌ من الله تعالى لمَنْ حَمَل الكتابَ أن يتعلَّم معانيه، ويَعْلَمَ ما فيه؛ لئلاَّ يلحقَه من الذَّمِّ ما لحق هؤلاء». الجامع لأحكام القرآن، (18 /94).